بقلم : أحمد ويتشي
يتداول الأنباء عن أحكام إعدام صدرت بحق عدد خمسة من أفراد مليشيات الجنجويد في محكمة مزعومة في مدينة الجنينة قبل أسبوع من كتابة هذه السطور بعد إدانتهم بتهم جرائم حرب وإرهاب .ارتكبوها في و حوكموا في محكمة دارفور الخاصة “المزعومة ” في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، الخميس،
ويعود البلاغ الى الواقعة أحداث قتل ونهب بقرية “حميدة “شرقي مدينة الجنينة، حيث أكد المدعي العام لجرائم دارفور المدعو ضابط الأمن “الفاتح طيفور” أن الفصل في هذه القضية يمثل انتصارا جديدا للعدالة والمحاسبة.وأكد العزم على المضي قدما وبكل جدية وحزم في محاكمة كل المتورطين في الجرائم التي ارتكبت بدارفور. بحسب تصريحه بأن هذه المحكمة الجنائية الخاصة بأحداث دارفور تمت تأسيسها في يونيو من العام 2005م
بالطبع لا أحد في السودان يرفض مبدأ العدالة مهما كانت الظروف وهي ظلت مغيبة تماما
من كل مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية وحتي الرياضية منذ استقلالها المزعوم .وهنا المدخل لحل كل هذه المعضلات بالتأكيد هي العدالة وهي بداية لأي عملية سلام وخاصة أن البلاد هذه الأيام تعيش أجواء عملية سياسية ربما ستؤدي الي شي من الإستقرار السياسي “ولو مؤقتا “. لان إطلاق سراح المعتقلين السياسيين و الأسري من مختلف أطراف الصراع قد يزيل شي من الحواجز الكامنة و الشكوك و حتى الكراهية الشديدة من النفوس . وفي النهاية كلنا سودانيين و حل هذه المشكلات التي أودت بنا الي الاقتتال هي بأيدي سودانية من الطرفين اذا قدمت تنازلات حقيقية مرضية دون أي تعالي أو فرض الأشياء بالقوة وهي عمليا مستحيلة .وفشلت تماما .
وهذه الخطوات التي نراها هذه الايام هي الاولي نوعها منذ وصول نظام المتهم عمر البشير الي السلطة عبر إنقلاب عسكري وعاشت البلاد في عقود من القتل و العنف ضد المدنيين الأبرياء في مختلف أقاليم السودان وخاصة تلك المسماة بالهامش العريض والتي عاشت في حروب مع السلطة المركزية منذ الاستقلال حتي اضطر بإقليم من هذه الأقاليم الي تقرير مصيره و الذهاب بعيدا . فمن هذا المنلطق مبدئيا ظللت أنادي بالعدالة والمصالحة وإعلاء شأن العقل والمنطق . ولكن هل تتحق العدالة بالحقيقة والمصالحة أم بتقديم أفراد بعدد أصابع اليد الي محاكم غامضة غير متوفرة فيها أقل شروط العدالة . من مرافعات و دفاع وشهود واهالي ضحايا . فقبل كل ذلك يجب الإقرار بحقيقة حجم المشكلات الماثلة أمامنا . فليس من المنطق ناهيك كل شي أن تقدم عدد خمسة شبان فقط الي المحكمة وتقول هولاء هم المجرمين الذين ارتكبوا تلك الجرائم الوحشية في إقليم دارفور وهو إقليم ارتكبت فيه جرائم شهدها العالم أجمع ووصل عدد القتلى فيه الي أرقام كبيرة يفوق الخمسمائة الف مدني جميعهم قتلوا و اغتصبوا و احرقوا علي أساس عنصري . أضف إلى ذلك بأن هنالك عدد كبير من المتهمين وردت أسمائهم في لجان تحقيق دولية مستقلة .أين هم الآن ؟ فهنا الأمر لا يتعلق بأي كيد سياسي لأن لجان التحقيق الدولية ليست لها علاقة بالسياسة فهي مسؤولة عن التحقيق الميداني والتقاء بالضحايا والشهود مباشرة وهي لجان سمحت لها النظام بالتحرك بكل حرية منذ بداية الأحداث فى الإقليم ولكن عندما رأي النظام النتائج الأولية للجان التحقيق هذه قامت بطردها من الإقليم وحتي المنظمات التي تقدم الغذاء والدواء للمدنيين تمت طرده من الإقليم . وطرد هذه المنظمات الإنسانية في حد ذاتها تمثل جريمة ضد الإنسانية متكملة الأركان وهو إصرار على تجويع الناس بمنعهم من الغذاء والدواء بعد نجاتهم من الإبادة ووصلوا الي المعسكرات . إذن عن أي عدالة يتحدث هذا النظام ومدعيه العام في دارفور ؟ وهو رجل أمن معروف سجله واقذر من القذارة ذاتها . وهو جهادي معروف لدينا منذ أن كان يؤلب الآلاف للذهاب الي قتل إخواننا في جنوب البلاد يومئذ
فمن حيث المبدأ وكراي شخصى انا في الأساس ضد مبدأ الإعدام لأي كان حتي البشير نفسه أو أي من دهاقنة نظامه . فشحصي من المؤيدين بشدة للقوانيين الدولية التي يتعامل بها أغلبية دول العالم الحديث . فهي ترفض مبدأ الإعدام للمتهمين . فبدلا من الإعدام تكفل هذه القوانين الدولية الانتصار المعنوي و تحقيق العدالة للضحايا . و الإعدام هنا بالضرورة لا يعتبر عدالة وقد تكون وسيلة تشفي. فمثلا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو دستور يجمع البشرية الذي منع العبودية وساوس بين الناس جميعا بغض النظر عن اديانهم ومعتقداتهم و ألوانهم و مللهم و أفكارهم و نحن جزء من هذا العالم التي باتت كالقرية . فبالضرورة يجب أن نتعامل مع هذا الإعلان كمرجع قانوني في تعاملنا مع مبادي العدالة وتحقيقها في بلاد .مع كامل الاحترام للقوانين والتشريعات الداخلية الخاصة بالدول والشعوب ولكن ستظل مبدأ الإعدام ليس جديرا بالإحترام. وفق نظرتي لتحقيق العدالة ووضع لبنة المجتمع الحر التي اساسها التسامح و الحقيقة والاعتراف بالأخطاء . من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة. والتي نتمني لهم مستقبل خالي من القتلة و ممثلى دور الإله في الأرض علي رقاب البشر .
بالعودة الي قرار محكمة المزعومة في دارفور و حكمها بإعدام خمسة من شبان دارفور الجنجويد ومحاولتها الفاشلة لقتل العدالة والقفز فوق الحقائق الماثلة أمامنا . فأنا أرفض رفضا قاطعا هذا الحكم . وهذا ليس دفاعا عن المتهمين فالمتهمين انا أعرفهم وشاهد عيان لأغلب جرائمهم العنصرية وهم أناس متوحشين باربرة جاهزون للقتل بشراهة غريبة . فهنا دفاعا عن العدالة الحقيقية أرفض هذه الأحكام . في طريقنا نحو مجتمع حر ومتسامح. فالجنجويد غالبيتهم من الجنود هم ذاتهم ضحايا للدولة التي تجاهلهم لعقود ومن ثم التفت إليهم واستغلتهم الظولة و قامت بتجنيدهم في مليشيات إجرامية وأطلقت اياديهم للعبث بحياة الناس ووزعت لهم الأسلحة و الذخائر بكميات كبيرة
وسيارات دفع رباعي ولبسات عسكرية و حتي النمر العسكرية الوهمية . من دون أي عقيدة قتالية . أو حتي تدريبهم تدريبا أخلاقيا في تعاملهم مع المدنيين .ساعة مواجهتهم مع الثائرين من أبناء الإقليم . وهذا يعني بأن نية ارتكاب الجريمة في الأساس مبيتة في عقلية النظام وقادته المجرمين من أولهم لاخرهم في كابنة قيادة حزبهم الإرهابي المتخلف جدا .وهو بامتياز يمثل النازية بنسخة دينية عرقية . فبالتالي محاولة تقديم كبش فداء أمرا غير مرحبا به . لأن السلاح مازال في أيدي الآلاف من هولاء الشبان في إقليم يمارسون به القتل و النهب والتنكيل بالمدنيين. فإذا بالضرورة يجب أول خطوة نحو العدالة يجب أن تبدأ بنزع السلاح من أيدي هولاء الشبان و اعادتهم الي المجتمع كمدنيين أو دمجهم في المؤسسات الرسمية في الدولة بعد تأهيلهم تاهيلا أخلاقيا وتربويا وادخالهم في مدراس محو الأمية . وهذا أمرا ضروريا في الطريق إلى العدالة وان كانت هذه العدالة ليست كاملة .
فحجم المرارات كبيرة والضحايا كثر و الفوضى في كل مكان في الإقليم و السلاح رائج بشدة . والقتل برنامج يومي هناك . إذن بالضرورة يجب أن يبدأ الخطوة بإنهاء هذه الأحداث ومن ثم الحديث عن تقديم المتهمين الي العدالة . ويجب أن يقف جميع المتهمين أمام العدالة اذا كانوا فعلا واثقين من عدالتهم هذه . لأننا نعرف أحد شعارات هذه المليشيات في بداية الحرب وهم يرددونه دون النظر لعوأقب تغنيهم بتلك الشعارات وهم يقولون ” فوق الله تحت علي عثمان محمد طه. ثم يضيفون “الجنجويد الميت فطيس والحي مستفيد ” وهذا يبين هدفهم من القتال وبل يظهر بقوة من الذي يقف خلفهم دعما وتدجينا و تخطيطا.
وبالعودة الي مرة أخري هذه المحكمة التي هي اسميها بالاجرامية المفتقرة لأي أسس العدالة وحقوق الإنسان.
في الواقع هذه المحكمة الغامضة يتضح من تاريخها
بأنها أسست للوي عنق العدالة وإعاقتها عقب إعلان المحكمة الجنائية الدولية التحقيق حول جرائم الحرب وجرائم الإنسانية ارتكبها الجيش النظامي ومليشيات قبلية عنصرية موالية للنظام في الإقليم في العام 2005م ، وارتكبت هذه الجرائم في الغالب بقطاع جوي من سلاح الطيران التابع للجيش النظامي و بأوامر مباشرة من سياسيين وضباط كبار في الجيش وجهاز المخابرات و آخرون من المدنيين الذين نشطوا في تكوين ودعم هذه المليشيات التي قاتلت لعقد ونصف حتي الآن .من دون أي عقيدة أو هدف فقط قاموا بتنفيذ الأوامر الصادرة لهم من مؤرسيهم للقضاء على بعض القوميات في الإقليم عبر سياسة الفرق تسد الفاشية بعد أن حمل عدد كبير من أبناء الإقليم السلاح ضد النظام في الخرطوم نتيجة التهميش و المظالم التاريخية المتراكمة وانسداد الأفق للحلول السلمية التي سعوا اليها منذ سنوات
فبعد أن رفض النظام التعاون مع لجان التحقيق الخاصة بالمحكمة الدولية قام بتأسيس هذه المحكمة بحجة أن المحاكم المحلية قادرة على النظر في القضايا المتعلقة بالجرائم التي وقعت في دارفور منذ إحتدام الصراع المسلح في 2003م . ويعتبر هذه العملية .إعاقة للعدالة وخاصة أن النظام كما أشرت سابقا في البداية تعاملت مع لجان التحقيق و سمحت لها بالتحرك ولكن بعد ظهور نتائج التحقيق الأولية والتي حملت في جوفها كم هائل من الجرائم قام النظام بتأسيس هذه المحكمة وادعي بأنه قادر علي تحقيق العدالة عبرها. ولم يتحقق أي نوع من العدالة و بل زادت معضلات التهجير القسري و القتل الجماعي وعمليات الاغتصاب الجماعية باطراد شديد . في إقليم دارفور. ففي العقد الأخير منذ تأسيس هذه المحكمة ارتفع عدد القتلى الي أكثر من ثلاثمائة الف قتيل وفي عهد لجان التحقيق الدولية كان عدد الضحايا مئتي الف مدني وهم قتلى ومفقودين . وهنالك مقابر جماعية شاهدة ايضا في قري وبوادي دارفور المهجورة . فبالتالي من الأفضل عدم تقديم أي فرد ككبش فداء سواء كان جنديا نظاميا أو مليشيا جنجويديا أو طيارا عاديا حتي يتوفر شروط العدالة الحقيقية وفي هذه الحالة ربما سيتحول كبش الفداء الي شاهد من الشهود باعتباره متلقيا للأوامر ومن ممكن أن يشهد أمام القضاء ويقدم أسماء من امروه بالقتل و الاغتصاب وقد يبين حتي الدوافع من وراء هذه الجرائم . ومع كل هذا يجب أن يكون الإعدام ليس طريقا مثليا نحو تحقيق العدالة في مجتمعنا الذي نتمناه أن يكون بعيدا من أي قوانين مخالفة لقوانين حقوق الإنسان. والتي من ضمنها أحكام الردة والتجديف وكبت الحريات الفكر والضمير والحرية الدينية و غيرها لان هذه القوانين التي عفى عليها الزمان والمكان. باتت مدخلا مهما من مداخل الإرهاب و النفاق السياسي والديني و الاجتماعي .وبات كل مجرم يتدثر بهذه القوانين ويحمي به نفسه من المقاومة . وما عمليات الجهاد ضد الثوار في الأقاليم الثائرة في السودان غير دليل .ويجري هذا الجهاد بتاوي مدفوعة الأجر من الشيوخ و علماء اللاهوت الإسلامي الموالين للنظام والذين يقومون بإصدار فتاوي التكفير و الردة ضد أولئك الشباب الذين يقاتلون من أجل التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية ودوما يجد شيوخ النظام اللاهوتيين مداخل مشرعة لهم من خلال هذه القوانين البالية لسحق الآخرين وتكفيرهم و السماح للمليشيات الجهادية باباحة دماء الناس بحجة الخروج على الحاكم أو ولي الأمر وفق تفسيرهم .
علي العموم يجب علي أبناء دارفور عدم السكوت تجاه هذه الأحكام الصادرة ضد ابنائهم الجنجويد. الذين يتم تقديمهم كبش فداء
وهنا أيضا خبر آخر مماثل للخبر الذي دعاني لكتا