أين حركات المقاومة الدارفورية من قضية المناضل عبد المنعم سليمان ؟؟
بقلم/ شريف ذهب
حينما اندلعت الثورة في إقليم دارفور في العام 2003 م ، أعمل النظام الحاكم في الخرطوم كافة الوسائل القذرة لإخمادها ، فانتهج في ذلك سياسة الأرض المحروقة وسعت بشتى السبل منع الآلة الإعلامية من الوصول لعكس حقيقة المأساة الدائرة هناك ، ورغماً عن ذلك تمكن الشرفاء من أبناء الإقليم من اختراق الحواجز وكسر الحصار الإعلامي وإيصال قضيتهم للمجتمع الدولي ليضطلع بدوره في حماية المدنيين من جرائم الإبادة الجماعية التي يمارسها النظام في حق أهليهم هناك .
ولم تقتصر جرائم النظام في الخرطوم عند الحرق الممنهج للقرى وتقتيل وتهجير مئات الآلاف من المواطنين الأبرياء فحسب ، بل امتدت لتطال كل من ينافح عن قضيتهم من أبناء ذلك الإقليم ، وبشكل أخص من فئة الشباب الذين يخشى النظام من التحاقهم بركب الثورة الوليدة ، فأودعت العديد منهم في المعتقلات السرية وبيوت الأشباه ومارست في حقهم أبشع صور التعذيب البدني والنفسي .
وجراء هذه الأوضاع المأساوية سعى معظم الشباب لمغادرة الوطن ابتعاداً عن صولجان النظام كي يتمكنوا من نصرة قضية شعبهم وإيصال معاناتهم للعالم الخارجي والمحلي بشكل أوضح ، وكان من الطبيعي أن تكون دول الجوار الإقليمي مثل تشاد ، ليبيا ، مصر ، واريتريا المحطات الأولى في رحلة أولئك الشباب ، فأخذت أعدادهم تتزايد باضطراد في تلك البلاد ليتحولوا بدورهم إلي صورة أخرى من صور المآسي الإنسانية ، نظراً للظروف الاقتصادية في أغلب تلك البلاد بما لا تتيح فرص العمل الكافية لمعظم أبنائها ناهيك عن هذا الكم الهائل من الشباب الهارب من جحيم دارفور ، فأخذت صور معاناتهم تتسرب للعالم الخارجي ، ولا سيما للذين بجمهورية مصر العربية حيث بدأنا نقرا ونسمع عن تلك المعاناة ، وسعى الشباب الدارفوري للهروب إلى فضاءات أرحب قد تتوفر فيها فرص العمل والعيش الكريم ، فهاجر من حالفهم الحظ إلي الدول الغربية عبر مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بمصر ، وبقي الآخرون يكابدون المشاق مما اضطر بعضهم للتسلل إلي إسرائيل مُعرّضِاً حياته للمخاطرة مع حرس الحدود المصرية حيث قضى العديد منهم بالرصاص المصري .
وكان المناضل عبد المنعم سليمان ضمن أولئك الشباب من فئة الجامعيين المستنيرين الذين تجاوبوا مع قضية أهلهم في دارفور فخرج ضمن الأفواج الأولى تلقاء دول الجوار الإقليمي لدارفور ، لتستقر به الأوضاع في ليبيا أولاً ، حيث بدا من هناك رحلته الإعلامية في التعريف بقضية شعبه ، وقد ألفناه منافحاً جسوراً في إبداء آراءه وقناعاته لا ينافق ولا يوارب فيها أبداً ، فكان ذلك مبتدأ السخط والحنق له من نظام الخرطوم وذيوله .
ثم ساقته الأقدار إلي مصر حيث التجمع الأكبر لللاجئين من أبناء شعبه ليصطدم بالواقع المرير الذي يكابده أولئك في البحث عن لقمة عيشٍ كريمٍ يسدون بها رمقهم فضلاً عن معاناتهم مع مفوضية اللاجئين في تثبيت هوياتهم كلاجئين يستحقون مزايا تلك الصفة . فكان ذلك باعثاً للأخ عبد المنعم ورفاق له من دارفور لإنشاء ( مركز دراسات السودان المعاصر ) حتى يتسنى لهم التعريف بقضيتهم المركزية ( قضية إقليم دارفور ) فضلاً عن خدمة اللاجئين من أبناء الإقليم وخلافهم من مختلف أصقاع السودان المنكوب .
ومع النشاط المتزايد للمركز في إبراز معاناة أولئك اللاجئين ، لم يرق للسلطات المضيفة في مصر ذلك ، ولا سيما عقب أحداث ميدان مصطفى محمود المأساوية التي قضى فيها عدد من اللاجئين برصاص الأمن المصري ، فكانت بداية رحلة المضايقة للأخ عبد المنعم التي تمثلت في الاستدعاء المتكرر حتى انتهت بمصادرة وثيقة سفره في إحدى المراحل .
وباندلاع الثورة في مصر وذهاب النظام السابق لم ينتهي معاناة اللاجئين السودانيين هناك ولا سيما الدار فوريين منهم ، بل تفاقمت بشكل أسوأ عن ذي قبل لا سيما مع الانفلات الأمني في بداية الأمر ، فازداد العبء على المركز والأخ عبد المنعم تجاه هذه الحالة الجديدة ، وكان الأسوأ هذه المرة تدّخل نظام الخرطوم الاستبدادي الانتهازي المتهالك في الخط ليتسلق ثورات الشعوب التي اندلعت ضد أنظمة القهر والاستبداد والتي يمثل النظام السوداني أسوأ صورها على الإطلاق . حيث بدأ هذا النظام مساعيه الخسيسة عبر بعض اذرعه الأمنية في سفارته بمصر بالاشتراك مع بعض الأمنيين المصريين من فلول النظام البائد الذين نُسبت إليهم مسئولية مجزرة ميدان مصطفى محمود في حق اللاجئين السودانيين ، وشرع الأخ عبد المنعم في إعادة فتح ذلك الملف ، امتطى نظام الخرطوم هؤلاء للإيقاع بالأخ عبد المنعم سليمان مجدداً مما نتج عنه عملية الاعتقال الحالية والتي سيخرج منها الأخ المناضل عبد المنعم سليمان مرفوع الرأس وأكثر قوة وصموداً بعون الله ثم بجهود المخلصين من أبناء الإقليم ومنظمات حقوق الإنسان الدولية الذين تضافرت جهوداً جميعاً حيال هذه القضية العادلة .
و حيال هذه القضية ثمة رسائل قصيرة نوجهها لجهات ثلاث :-
الأولى : للسلطات في جمهورية مصر العربية الذين رأيناهم خلال الأيام القليلة الماضية يتوسطون لدى السلطات الإسرائيلية لحل قضية الأسرى الفلسطينيين .. فكيف يستقيم ذلك مع تكدّس سجونها بعشرات المعتقلين من أبناء جارتهم السودان واللاجئين من أبناء دارفور بشكل أخص ؟ .
أما الرسالة الثانية فنبعثها وفي القلب غُصة ويا لها من غُصة !! وهي للرفاق في قوى المقاومة الدارفورية كحركات لا كأفراد والذين صمتوا جميعاً دون فرز صمت القبور تجاه هذه القضية دون تسجيل بيان إدانة ولو بكلمة واحدة تدرأ عنهم اللوم !!! فهل لا زلنا عند هذا المستوى الذي لا نستطيع فيها التفريق بين ما هو سياسي وإنساني ؟! أملي أن يراجع الجميع أنفسهم حيال هذه القضية تحديداً ، فعبد المنعم سليمان لم تحتجزه السلطات المصرية بإيعاز من نظام الخرطوم لأنه سرق أو ارتكب جريمة آداب ” وحاشاه أن يفعل ذلك “، وإنما لأنه مناضل جسور نذر حياته للدفاع عن قضية شعبه في دارفور واللاجئين السودانيين بشكل عام في جمهورية مصر العربية وأرّق بذلك مضاجع نظام الخرطوم ، وإذا كان المستهدف اليوم هو عبد المنعم سليمان فغداً قد يكون فلان أو علان من هذه الحركة أو تلك ، وحسب متابعتي فالأخ عبد المنعم سليمان لم يميز يوماً في نشاطه الحقوقي بين منتسب لهذه الحركة أو تلك وإنما كان يتعامل مع الجميع على حدٍ سواء .
أما الرسالة الثالثة والأخيرة ، فنوجهها للنظام في الخرطوم وأزلامه في كل بقاع المعمورة وهي : أنْ يدركوا بأنّ ثمن دماء أهلنا و كرامة مناضلينا غالٍ جداً ، ولحومهم مرة لا يستساغ بلعها ، وأنه لا تهاون بعد اليوم في موضوع حقوق الإنسان مع أي فرد كائن منْ يكن من أبناء شعبنا السوداني ، وأنّ القاطرة قد انطلقت في هذا الاتجاه لتكون معركتنا معهم هي معركة العدالة الدولية ، وأي فرد من النظام يتم اكتشاف تورطه في قضايا حقوق الإنسان سوف يتم تتبع ملفه الأسود في هذا الاتجاه حتى ينال جزاءه لدى العدالة الدولية ، وأنّ الأمر سوف لا يقتصر على رموز النظام بالداخل فحسب بل يشمل أدواته في سفاراته بالخارج كذلك .
التحية والحرية للأخ المناضل الجسور عبد المنعم سليمان ، وللمناضلين في كل مكان ، وإنها لثورة حتى النصر ، ولا نامت أعين الجبناء.
[email protected]