أنجمينا.. الدوحة.. الشربكها يحلها
علي أبو زيد علي
نعم.. ليست الدوحة يا هؤلاء.. بينما تصاعدت درجات الإحباط وانقطع العشم في أن يحقق منبر الدوحة خطوة البداية المتمثلة فقط في الجلوس إلى المفاوضات بين الفرقاء المتشاكسين (الحركات المسلحة) وبين الطرف الحكومي نتيجة الصعوبة البالغة والتعقيدات التي أحاطت بوحدة الحركات الدارفورية المسلحة، فالمبعوث المشترك والمجتمع المدني الدارفوري متحمسون لوحدة الحركات المسلحة كضمانة أساسية لبدء مفاوضات ناجحة تؤدي إلى سلام حقيقي وهم بهذا الموقف ينطلقون من تجربة أبوجا حيث كان تحرير السودان بقيادة مني هي الأقوى ولم ينتج الاتفاق المنفرد مع هذا الفصيل سلاما ولا استقرارا.
بينما الوسطاء القطريين في المبادرة العربية التي جعلت من الدوحة مكانا لمفاوضات سلام دارفور وسلام السودان يتوجهون نحو إنجاز طال انتظاره في تحقيق تقدم حقيقي في العملية السلمية بعد تعثر أول محاولة لجمع الأطراف إلى طاولة التفاوض تلك المحاولة التي بدأت بالفصيل الأقوى بعد أبوجا وهو فصيل العدل والمساواة وأفرزت تلك المحاولة ما تم تعريفه باتفاق حسن النوايا وهي وثيقة مبهمة لا يعرف أي من الطرفين الموقعين عليها بماذا يطالب الطرف الآخر أو ماذا ينتظر منه الطرف الآخر.
حقيقة شدد عليها مسئول ملف دارفور وثاقبي النظر والمستفيدين من التجربة في أن الملف التشادي ممثلة في العلاقات السودانية التشادية، هذا الملف إلى جانب المجتمع المدني الدارفوري يمثل مفتاح الحل للمشكلة، فتشاد دولة فقيرة تعاني من الكوارث الطبيعية (الجفاف والتصحر) وأنهكتها الحروب الأهلية والأنظمة غير المستقرة وتستظل بالفرانكفونية وجيرانها شرقا وشمالا وغربا رغم وضع هذه الدولة فإنها في حالة دارفور تمتلك زمام المبادرات الجريئة التي يحقق المطلوب حربا أم سلاما من بين تلك الخيوط التي تمسك بها دولة تشاد في حرب دارفور، أنها الجارة المتاخمة للإقليم في أطول حدود بينها وبين دولة أخرى، مما جعلها بعض من أرض الحرب التي اندلعت في دارفور وتشاد تمسك بخيط الإرث الثقافي الأفريقي في أنظمة أفريقيا العشائرية والتي تلعب القبيلة دورا محوريا في أنظمة الحكم فالقبائل المشتركة بين تشاد والسودان تلك التي هي الآن من القبائل التي لا يمكن تجاوزها في أي من الأطراف الحكومة التشادية أم القيادات المتمردة من دارفور وهي أي تشاد مدركة لانفعالات الإثنيات الأخرى في زعزعة الاستقرار في نظامها الحاكم أو تلك التي تجر لها تدخلات جارتها الكبرى السودان.
من الخيوط التي تمسك بها دولة تشاد نتائج الوضع الجغرافي والانثربولجي الذين أشرنا إليها أعلاه بأن الحركات المسلحة في تواجدها الجغرافي محاصرة بالطبيعة شمالا الصحراء الكبرى وجنوبا محيط السافنا والقبائل العربية والبعد عن أفريقيا الوسطى وشرقا السلطة السودانية المركزية التي تنازلها فلا تجد لها عمقا وظهرا إلا غربا فتشاد تمثل لهذه الحركات المرتكز باللغة العسكرية ومنها تطل على العالم وعبرها تتلقى الإمداد والتشوين وبالتالي فهي الأقدر للتأثير على الجانبين الحكومي والحركات المتمردة.
الأنباء التي تحققت بتوقيع اتفاق إطاري بالأحرف الأولى في أنجمينا بين الحكومة وحركة العدل والمساواة واتفاقية وقف إطلاق النار بين الطرفين هذا الاتفاق يعتبر اختراقا كبيرا في تعقيدات مشكلة دارفور وقد تم برعاية كاملة كما وصفتها القيادات في الحركات والحكومة السودان من قبل الرئيس إدريس دبي والذي أولى القضية اهتماما كبيرا وبادر بزيارة الخرطوم ووجه الدعوة لنفسه دون وسيط ولا طلب من الحكومة السودانية وتوصل إلى برتكول أمني تم تنفيذه في فترة قياسية بإبعاد العناصر المناوئة لكل من الدولتين من على الحدود المشتركة حتى ضجت منطقة الصياح ومدو أرض البرتي التي تبعد ألف كيلو من الحدود بالمتمردين التشاديين.
الملاحظة الجديرة بالاهتمام وهي رؤية المتشائمين الذين يرون استحالة الاستقرار في العلاقات السودانية التشادية من خلال التجارب السابقة للعهود والمواثيق بين النظامين.. نقول الملاحظة الجديرة بالتمعن أن كل الاتفاقات بين الدولتين في الماضي لم يتبعها إنجاز في الواقع مثل ما حدث قبل ثلاثة أشهر فقد تم تنفيذ إبعاد الحركات المسلحة من الحدود في زمن قياسي وتمت زيارة الرئيس التشادي بإجراءات استثنائية والتزم الطرفان التزاما صارما بسرية المفاوضات في شرق تشاد والتي تمت على مستوى القمة بحضور رئيس الحركة وحضور رئيس تشاد وعزم الرئيس السوداني للتوجه إلى الدوحة للتوقيع والإعلان الرسمي بين الوسطاء والمندوبين الأمميين والإقليميين.
إن المحك الحقيقي لمبررات الترحيب بهذا الاختراق هو مدى تحقيقه للسلام الشامل ونتساءل:
هل يقود الاتفاق الإطاري مع العدل والمساواة إلى سلام؟؟؟ أم أن الخطوات تسير في اتجاه استنساخ تجربة أبوجا في الاتفاق مع الفصيل الأقوى الآن ليظهر فصيل آخر أقوى غدا.
هل اكتفى الوسطاء بتحقيق اتفاق بين الحكومة وحركة العدل والمساواة وترك المجموعات الأخرى أو ابتلاعها بواسطة الشريكين المتفقين مع وضع الاعتبار لما تمثله هذه الحركات من واجهات قبلية وهو واقع لا يمكن تجاهله.
ونواصل الأسبوع القادم ولله الحمد
[email protected]