أمارة البيضان الإسلامية وجمهورية السودان الديمقراطية
بقلم: دهب الخزين مأمون
باقتراب التاسع من يناير 2011م يعيش الشعب السوداني آلام مخاض الدولة الوليدة فى جنوب القطر. كثير من السودانيين حزين لانشطار السودان إلى دولتين وقليل منهم فرح بقيام الدولة الوليدة. علي كل أنا حزين لمآلات دولة السودان التاريخية وفرح بانعتاق أبناء الجنوب من هيمنة واستبداد المركز الظالم للمهمشين. كثير من أبناء المركز متشائمون من انفصال الجنوب وخائفون من عقابيل مطالبة المهمشين الآخرين بالانفصال وتفتيت السودان إلى دويلات. الرابح الأكبر من الانفصال هو منبر السلام العادل (ومؤسسه الطيب مصطفى، خال الرئيس البشير) لاعتقاده بخلو الجو له ليطبق أفكاره العنصرية ومعتقداته الشيفونية.
السودان: شعب طيب واسم قبيح
السودان صيغة مبالغة من السود كما الحال فى كلمة عرب وعربان وبيض وبيضان. تاريخيا تمتد ارض السودان من مرتفعات البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي فى غرب إفريقيا، ويرجع نعوم شقير في كتابه: “ جغرافية وتاريخ السودان” أصل سكان السودان إلى شبه السود (Negroid) ويقول في ذلك” أما شبه السود فهم من أقدم الأصول في البلاد بعد السود ويظن أنهم أولاد كوش بن حام الذين هاجروا إلى السودان بعد الطوفان وسكنوا الحضر ومنهم معظم سكان دارفور من بلاد السودان (المصري) ومعظم سكان وداي وكانم وباغرمي وبرنو وسوكوتو وملى من السودان الغربي، كما أشار نعوم شقير إلى فئة أخرى من سكان المنطقة أسماهم (التكارنة) ووصفهم بأنهم “في التخصيص مهاجرو بلاد التكرور التي إلى جنوب برنو المعروفة الآن بالكتكو وفى التعميم يشملون سائر مهاجري السودان الغربي من فلاتة وبرنو وباغرمي وغيرهم وهم متفرقون في جميع جهات السودان ولاسيما في دارفور وكردفان وسنار وكسلا وأكثرهم في القلابات من أعمال كسلا حيث يجتمع منهم في الرجبية نحو (45000 ) نسمة.
وإشارة نعوم هذه تؤكد مدى التداخل بين سكان المنطقة حيث إنهم يتحركون في منطقة جغرافية منبسطة لا تعوق حركة السكان فيها إي عوائق طبيعية وهذه المنطقة التي سماها تقع أجزاء منها في عدة دول أفريقية معاصرة هي السودان وتشاد والكاميرون ونيجيريا. قامت في هذه المنطقة عدة ممالك يشير الأستاذان د. خليل عساكر ود. مصطفى مسعد فى مقدمة تحقيقهما لكتاب (تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان) لمؤلفه محمد بن عمر التونسي (حوالي منتصف القرن السابع عشر الميلادي) “قامت في هذه البلاد (بلاد الفور) سلطنة إسلامية كانت تُكوِن وقتذاك حلقة في سلسلة الممالك الإسلامية السودانية الواقعة بين الصحراء الكبرى ومصر في الشمال وبين الغابات الاستوائية في الجنوب وتمتد من البحر الأحمر شرقاً إلى المحيط الأطلنطي غرباً وتشمل ممالك سنار وكردفان ودارفور ووداى وباغرمي وبرنو أو الكانم وممالك الحوصة (الهوسا) ثم مالي. وقامت ست من هذه الممالك في السودان وتشاد وهى (سلطنة سنار، سلطنة المسبعات، وسلطنة الفور، وسلطنة وداي، وسلطنة باغرمي، وسلطنة برنو)، أما مصطلح تشاد فهو تحريف للكلمة العربية (شط (سميت بذلك لوقوعها على أطراف البحيرة المتقطعة التي تقع غرب المنطقة والتي صارت تعرف ببحيرة تشاد ومرت الكلمة بعدة تحورات فقد تحولت من شط إلى (شت) بلسان الأهالي الذي يقلب الطاء تاء وعندما دخل الاستعمار الفرنسي استخدم الحروف اللاتينية لكتابة الاسم فتمت كتابته على الطريقة الفرنسية التي تكتب الشين (TCH) فصارت تكتب (TCHAD) وعندما كتبت بالعربية كتبت (تشاد) وهو الاسم الذي اتخذته جمهورية تشاد علماً عليها بعد الاستقلال.
السودان فى رأي العربان
يصف المؤرخون العرب السودانيين بأنهم قوم طيش وخفاف العقول، حيث أوضح المؤرخ بن خلدون فى مقدمته المشهورة بأنه: “لما كان السودان ساكنين في الإقليم الحار واستولى الحّر على أمزجتهم وفي أصل تكوينهم كان في أرواحهم من الحرارة على نسبة أبدانهم وإقليمهم، فتكون أرواحهم بالقياس إلى أرواح أهل الإقليم الرابع أشد حراً فتكون أكثر تفشيا فتكون أسرع فرحاً وسروراَ وأكثر انبساطاً ويجيء الطيش على أثر هذه. وكذلك يلحق بهم قليلاً أهل البلاد البحرية لما كان هواؤها متضاعف الحرارة بما ينعكس عليه من أضواء بسيط البحر وأشعته كانت حصتهم من توابع الحرارة في الفرح والخفة موجودة أكثر من بلاد التلول والجبال الباردة”، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى تعليل المسعودي خفة السودان وطيشهم بأسباب وراثية، فيقول ابن خلدون في مناقشة ذلك: “وقد تعرض المسعودي للبحث عن السبب في خفّة السودان وطيشهم وكثرة الطرب فيهم وحاول تعليله فلم يأت بشيء أكثر من أنه نقل عن جالينوس ويعقوب بن إسحاق الكندي أن ذلك لضعف أدمغتهم وما نشأ عنه من ضعف عقولهم وهذا كلامٌ لا محصل له ولا برهان فيه.”
السودان الحديث
كما هو معلوم يرجع الفضل فى إنشاء السودان الحديث بحدوده القائمة حتى 9/01/2011م للحكم التركي ومن ثم الدولة المهدية وقد خرج المستعمر البريطاني فى 1955م ليسلم الحكم إلى أباء الاستقلال ومن ثم تعاقبت الحكومات الوطنية ديمقراطية وعسكرية وبالحق لم ينعم الشعب السوداني بالاستقلال لأنه استبدل المستعر الأجنبي بالمستعمر الوطني حيث استبدت الأنظمة العسكرية وتسلطت علي الشعب وجرعته الهوان حتى التمس النجاة فى الدعوة للانفصال.
مستقبل دولتي السودان
فى 11/01/2011م سينفصل الجنوب ويؤسس دولة الاماتونج المنتمية ثقافيا لأفريقيا (بل شرق أفريقيا) حيث ستتبنى النهج الديمقراطي فى الحكم والنظام الرأسمالي فى الاقتصاد وسوف تنمي مواردها لتكون من الدول الكبرى فى شرق أفريقيا بل في إفريقيا عامة فى غضون عدة سنوات. وسيظل السودان القديم فى ضلاله القديم تحكمه نخبة تدعي الانتماء إلي هوية ليست هويتها وسيستولى المتطرفون الإسلاميون على الحكم ويقيمون أمارة العربان الإسلامية ويطردون كل العناصر الأفريقية من البلد (البجا والنوبيين والدناقلة والمحس إلي اريتريا والانقسنا الى أثيوبيا والنوبة إلى دولة الأماتونج والفور والزغاوة والمساليت إلى تشاد وإفريقيا الوسطي) ويعيدوا البلاد الى القرون الوسطي.