أفران الجيش المصري: الشحدتو بخشمي آكلو بشنو .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

حين نصب الجيش المصري أفرانه في الخرطوم كانت الإدارة الأمريكية تدق المسمار الأخير في نعش القضية الفلسطينية التي رنا جيلنا في الستينات لهذا الجيش لنصرتها بدخول تل أبيب دخول الفاتحين. ففي نفس أسبوع أفران الخرطوم منح الرئيس ترمب هضبة الجولان المحتلة لإسرائيل. وهو قرار منسجم مع الخطة الأمريكية المستجدة التي تسعى لإلغاء القضية الفلسطينية جملة واحدة. فسعت لنزع فتيل أجندة النزاع فيها التي على مائدة المفاوضات بالقرار أن الحق كله فيها لإسرائيل. وكانت يا عرب. فسحبت أمريكا دعمها للأونرو منظمة الأمم المتحدة التي رعت اللاجئين حتى تجتث بندهم العتيق من طاولة التفاوض. وأعلنت أن القدس عاصمة لإسرائيل. وكانت تلك من أجندة التفاوض الساخنة. وأردفت ذلك بقرار الجولان. وهكذا لم تعد هناك قضية فلسطينية ولا عربية لأنه لم تعد هناك من مسائل مختلف عليها. فكل مُختلف عليه صار لإسرائيل.
كانت القضية الفلسطينية هي عقيدة الجيش العربي الحديث. وتجيشت الشعوب العربية من ورائه لرد الحق العربي السليب. وضحى المجتمع المدني العربي بحقوقه الإنسانية في التنظيم والتعبير لأنه “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”. فقبلنا بانقلابات للجيش ليحزم في الحكم والحرب. بل سوغنا له الحكم بوصفه الكيان القومي الحديث بلا منازع. وصبرنا على هزائمه الفضائحية النكراء وتفاءلنا بانتصاراته الضامرة. ثم جاءت اتفاقية كامب ديفيد في 1978 ليخرج الجيش المصري، الطليعة، من المعركة المصيرية جملة واحدة.
ولما لم يعد للجيش العربي خصما صار خصمه شعبه. فأنتهز سانحة الحكم بالسلاح ليبني لنفسه جاهاً نفعه لطبقة الضباط وبطانتهم. وصار الجيش المصري مضرب المثل في الإسراف في هذا الجاه. فتسرب من باب التصنيع الحربي، الذي كان موضع فخرنا عزة باستقلال إرادتنا في التسليح، إلى سائر الصناعات حتى دهانات الورنيش. وصارت تقديرات حصة الجيش في الاقتصاد القومي نحو 40%.
صار الجيش باقتصاد “الزندية” في خفض من المال أقرض به البنك المركزي المصري مليار دولار في شهر ديسمبر 2011. مما هو شذوذ كبير في ولاية المال. ومصادر هذا الغنى الفاحش كثيرة ومرفوع عنها الرقابة.
فلهذا الجيش ميزانية من الدولة مستقلة ومحاطة بسرية قيمتها نحو 4 مليار ودولار فاصل 4 منه. وله أربع مؤسسات للإنتاج هي جهاز مشروعات الخدمة العامة، والهيئة القومية للإنتاج الحربي، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والهيئة العربية للتصنيع. شملت، إلى جانب التصنيع الحربي، صوامع القمح، وإدارة الموانئ، وإدارة الطرق العابرة للمديريات، ومصانع الأثاث، وصناع الكمبيوتر، وإنتاج زيت الزيتون، ودهانات تلميع الأحذية. وكثير غيرها.
وتتمتع شركات ومصانع الجيش بإعفاء كامل من الضرائب، وإعفاء جمركي على الواردات. واستغنت الدولة عن إجراء المناقصات لتقع اعتباطاً على شركات الجيش. وخسرت الدولة 65 مليار جنيه مصري بسبب هذه الإعفاءات في 2015. كما جعلت الدولة للجيش امتلاك كل أرض بمصر إلا الزراعية فحاز على 87 في المائة من أراضي الجمهورية.
وله كذلك فيوض من المال الأجنبي. فالولايات المتحدة تدعمه بمليار دولار و3 من عشرة منه. ونظرت المحاكم الأمريكية في فساد التصرف في دعمها. كما أن له مطلق التصرف في المعونات الخليجية اتي لا تمر بمنافذ الولاية على المال العام.
ومما يزيد من أرباح شركة الجيش استغلالها للعاملين بها. فالمجندون من أبناء الريف هم أقنان المزارع العسكرية. ويعمل العمال في شروط محرم فيها التفاوض والإضراب. فلما ثار عمال مصنع حلوان الحربي في 2010 نتيجة لخطورة بيئة العمل جرت محاكمة زعمائهم أمام القضاء العسكري.
وهذا مال سائب أغرى بالسرقة من ضباط لا تدريب لهم في إدارة منشآت إنتاجية. بل بدا أن الأصل في هذا المال السرقة لا الصون. فمقاضاة المتهم بالفساد فيه لا تجري أمام محاكم العدل المعروفة بل بواسطة النيابة والقضاء العسكريين بقرار صادر من المجلس العسكري في 2011. ولا يطال المتهم بالفساد القضاء المدني حتى لو تقاعد من الجيش. وساق الفساد المدجج إلى تدحرج مصر في منازل تقرير ممارسة الفساد في 2015 من 106 إلى 131 من 189 دولة.
وصح في الجيش المصري، كغيره من جيوش العرب التي بلا قضية سوى إهانة شعوبها، قول أحدهم عن الجيش الجزائري. قال لو كان للأمم جيوش فلجيش الجزائر أمة. و”تجدع” الجيش المصري هكذا في الأمة مما أحسن وصفه من قال إن حالنا مع جيوشنا كمن أعتني بتدريب عضلة واحدة من سائر أعضاء الجسد. وكلما أذكر تملص الجيوش من قضية نكبة العرب في فلسطين وشطارتهم مع شعوبهم (حتى قال البشير إنه إذا دقت المزيقة كل فار سيدخل جحرو) بأهزوجة سمعتها أيام عودة الشرطة الشماليين من جنوب السودان بعد اتفاقية السلام في 1972. فقد استغنت عنهم حكومة الجنوب التي صار أمر الشرطة بيدها. وفاضت الخرطوم بالشرطة العائدة وضيقت على المخاخنجية. فقال أحدهم:
بوليس أنجاس
تركو الغابات كالتررللي
حرسو زقاقات
عارفين أوكات المخاخنجي
فقد تركت هذه الجيوش العربية القضية الفلسطينية كالتررلي يضيقون على شعوبهم تضييقا.
ومن بين المشروعات التي وقع أمر تنفيذها للجيش المصري مشروعات في حلايب وشلاتين نتطرق لها غداً إن شاء الله حتى نرى غور مهانتنا نتبلغ رغيف جيش مصر مضرجاً بنزيف الوطن.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *