صوت من الهامش
اتهم الشارع السياسي، جيل الألفية من الشباب السوداني بأنه جيل رخو ومائع لا رجاء منه، كان تقيمه انّه شباب نشأ وترعرع في ظل هذا النظام الفاسد والمستبد، فأصبح شبابا بلا ذاكرة، منبت عن موروثه الثوري المشّرف، يفّجر هذا الشباب المظلوم ثورته المجيدة في 19 ديسمبر 2018م ليثبت أنّ هذا الحكم كان متعّجلاً، وأنهم على قدر التحدي وأزيد، في التصدي للظلم، وفي الفهم والتنظيم والإبداع، جيل اخترع أدواته، وسخّر معطياته ليُحي الأمل، ويجدد الرجاء الذي كاد أن يموت في دواخل الذين هرموا في إنتظار بزوغ فجر الخلاص، فاجأ جيل الألفية الشارع السياسي، ليبرهن أنه قادر على شق طريقه، دون وصاية، فنال الإعجاب، وإستحق الإعتذار.
ذات التهمة ما زالت تتلبس قوات الشعب المسلحة، بأنّ ضباطها وجنودها خانوا شرف الجندية، وظلوا يتفرجون على المليشيات العقائدية، والقوات الأمنية الخاصة، تنّكل شرّ تنكيل بأهليهم وأخوتهم الأطفال والشباب، وتنتهك حرمات أسرهم، وتعتقل شقيقاتهم وتتحرش بهن، دون أنّ يحّركوا ساكنا، ويقيننا أنّ هذا الحكم أيضا متعّجل وغير منصف.
فأمام النظام خياران، أحلامها مُر، وكليهما سيعّجل بنهاية منظومة الإسلاميين الدموي والكارثي، فإن إستمرت هذه القوات القمعية، والمليشيات العقائدية في إطلاق الرصاص الحي على صدور الشباب السلميين والعزّل، نراهن أنّ قوات الشعب المسّلحة، التي يظن النظام أنّه غسل أدمغة منسوبيها، وأنّه مطمئن على ولائها المطلق، نراهن على أنّها ستتمرد على قياداتها العليا الوالغة في الفساد والمنغمسة في الإستبداد، وتنحاز للشعب، لتتكرر ملحمتيّ أكتوبر وأبريل.
وإمّا أن تتراجع النظام عن إطلاق الرصاص الحي على شباب الثورة، تحت الضغط الدولي، أو ترتخي القبضة الأمنية نتيجة تواطئ محتمل “لتاتشيرات” القتل مع المتظاهرين، في هذه الحالة، من المؤكد أنّ الشباب الثائر سيقتحمون أبواب القصر الجمهوري جهاراً نهارا. فالثوار البواسل الذين يفتحون صدورهم للرصاص الحي، لن تخيفهم سُحب البومبان، ولن تصدهم الهراوات المرتعدة.
وكلّما إزداد عدد شهداء الثورة، تراكم الغبن ضد النظام، وكلّما إرتفعت مناسيب الدم المسفوح في شوارع الثورة، إنخفض عدد المساندين للقصر الجمهوري، وكلّما إستمرت التظاهرات، إزداد عدد القافزين من سفينة الإنقاذ التي تعبث بها أمواج تسونامي الثورة، فالنظام فقد المبادرة، وفقد المنطق، وبات يجاري الثوار في شعاراتهم، ويحاول التماهي مع تاكتيكات ترويضهم للقوات القمعية، وهو يلهث لإطفاء نيران الغضب المتصاعد في ربوع البلاد دون جدوى، فالوعود الكاذبة تجاوزها الثوار بفراسخ، وأنّ الثورة محكمة الدوائر ولا مجال لاختراقها بكافة السبل، والثوار قليلو الكلام، كثيرو الإصرار، ليس لديهم للنظام سوى كلمتان لا ثالث لهما، # تسط بس. لا تقبلان التفاوض، ولا تتحمل أية منهما الحذف أو الإضافة، بينما رأس النظام يرغي ويزبد، دون إن يلتفت إليه أحد من الثوار.
قوات الشعب المسلحة الباسلة، تدرك أنّ نظامهم الشمولي قد فشل فشلا زريعا في إدارة شئون البلاد، ولا سبيل للإصلاح أو إستمرار الحكم الحالي، الذي وصل إلى نفق مظلم ومسدود، وأنّ القيادات السياسية متخمة بالفساد، وأنّ القصر الجمهوري يحمي المفسدين، وباتوا على قناعة أنّ المعركة ضد إرادة الشعب السوداني، بكل المعايير خاسرة لا محالة، ولا شك أنّ دواخلهم تمور الآن بالنزاعات الأخلاقية، وتعاني من تأنيب المزمن للضمير، فرغم محاولات مسح الأدمغة، ووسائل تغبيش الوعي من قبل دهاقنة الإسلامي السياسي، ورموز التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، يظل ضباط وجنود قوات الشعب المسلحة، جزء لا ينبت عن أصالة وخيرية الإنسان السوداني، لذا يمكننا الرهان عليهم، في وضع حدٍ لدموية السفاح البشير والقاتل صلاح قوش، وتمكين الشباب السوداني من تولي مقاليد البلاد.
الجيش يدرك أنّ تراجع الثوار غير وارد البتة، وأنّ شعار “تسقط بس” لن يسقط على الأرض، وأنّ القائد العام غير الراشد قد أساء لهم بتحويل إمتيازاتهم المادية والمعنوية لمليشيات الدعم السريع، وأنّ وجودهم بات شرفيا منذ زمن، رغم أنّ الحكم لثلاث عقود باسمهم (نفوا ذلك أم اقروا به)، وبسبب هذا التحيّز، لم تتورع القوات الأمنية والمليشيات الخاصة من تعمد إستفزازهم، والتقليل من قدرهم، والتنكيل بمنسوبيهم، وما حادثة كورنيش بورتسودان البارحة ببعيد، وما يمكننا قوله، أنّ قوات شعبنا المسلحة، لديها ألف سبب وسبب لمفاجأة الشعب السوداني، كما فاجأه شباب ثورة 19 ديسمبر، فترقبوا المفاجأة السارة من جيش “الهنا” قريبا.