عبدالعزيز النور
[email protected]
أول ما يتبادر إلى ذهن الإنسان العادي عند الحديث عن الحركة الاسلامية في السودان والدور التي لعبته في السودان هو صورة الحركة الإسلامية في إطارها الحزبي المعروف والمتعدد بمختلف المسميات وظهورها الواضح منذ ستينات القرن الماضي، ولكن هنا وبشكل أساسي نود التركيز على الحركة الإسلامية و دورها الواضح في السياسة واثرها في بنية الوعي الإجتماعي بالسودان وما خلفته من مشاكل مجتمعية، و كما ملاحظ ان العديد من القوى السودانية تحاول التملص من الحركة الإسلامية في السودان وبالتالي إختزال فكر وسلوك الحركة الإسلامية في الجبهة القومية الإسلامية بمسمياتها المختلفة “الأخوان المسلمون – المؤتمر الشعبي – المؤتمر الوطني” وهذا بشكل أساسي يعمل على تغبير الرؤية وحجب الأضواء عن عمق و ماهية المشكل السوداني ومن ثم الإحالة دون الوصول إلى نتائج موضوعية في السعي لتشخيص المشكل السوداني بإعتبار أن الحركة الإسلامية وبإسثناء حقبة الإستعمار الإنكليزي هي المسيطر على مجريات الأمور في البلاد سواء أكان ذلك في السودان الحديث أو الدويلات السودانية القديمة عقب بدء الغزو الإسلامي لشمال السودان منذ القرن السابع الميلادي.
لفهم الدور الأساسي للحركة الإسلامية وأثره على المجتمع السوداني والدولة السودانية لا بد لنا من الوقوف حول حيثيات تكوين هذ الحركات الإسلامية “أحزاب إسلامية – طوائف دينية – جماعات سلفية – جماعات صوفية …….الخ” وهذا ما سنتطرق إليه في الحلقات القادمات من هذه السلسلة، أما هذه الإفتتاحية نود ان نشير إلى بعض إنعاكاسات الحركة الإسلامية ومساهماتها في الوعي السوداني – إيجابا كان أم سلبا – والذي يعبر عنه في معظم الأحيان أو يتجلى بشكل أوضح في سياسات الدولة والنخب الحاكمة أو حتى في سلوك الجماعات والأفراد وحالة الفصام وعدم التسامح والتصالح مع الذات وبالتالي حالة نفور وعدم قبول المواطن السوداني لنفسه، فالمواطن السوداني اليوم يعيش حالة من العزلة الذاتية التي يفرضها هو على نفسه برفضه للآخر والتشبث بآخرين لا يمكنه الإنتماء إليهم و لو بعد حين كذات العزلة الإجبارية التي ظلت تفرضها الدولة على نفسها و على المواطن، كأن تحدد سياسية خارجية تعتمد بشكل اساسي على مزاج النخب الحاكمة ليس في عهد حكومة الجبهة القومية الإسلامية فحسب وانما منذ بواكير الإستقلال، و دونكم حالة رئيس الوزراء الأسبق محمد أحمد المحجوب وتدخله و الدولة معا في قضايا لا تعني السودان او السودانيون في شئ عندما توضع خارج نطاقها الإنساني. أو حالة الدولة كما هو مختوم في وثائق السفر بحظر إستعماله لدخول بعض الدول كجنوب إفريقيا في السابق أو دولة إسرائيل حاليا و التي لا تختلف سياستها كثيرا عن الدولة السودانية غير الزمان والمكان، حالة الفصام هذه لم تقف عند المواطن العادي بل تعددته إلى المثقف و المفكر السوداني، فتجد معظم المفكرين السودانيين لا يمكنهم تناول قضايا المجتمع والسياسة و هوية البلد والإنتماء خارج الإطار الإسلامي العربي وهذا ما يتطلب جهود ضخمة جدا لإخفاء و تزييف الحقائق التاريخية، فتجد ان معظم المؤرخين السودانيين يركزون بشكل اساسي في علاقة الدولة بالعروبة والإسلام وحشد المبررات لإظهار الغزوات الإسلامية تجاه السودان على أنها جاءات لنشر مبادئ سامية كما يقول إسماعيل الأزهري أول رئيس وطني بعد إعلان 1956م “ان القبائل العربية جاءت إلى إفريقيا لنشر ثقافة عالية ونشر و إعزاز مبادئ سامية في وقت كانت فيه أوروبا غارقة في دياجير الظلام” بالرغم من ممارسات الجيوش الإسلامية و سياسة الإسترقاق المعروفة التي تم فرضها بوساطة الجيوش الإسلامية الإستعمارية كما كان في إتفاقية البغط 641م. أيضا حالة الإستلاب هذه كانت واضحة في كتاب “تاريخ وجغرافيا السودان لنعوم شقير” حيث الحديث عن السودان وكأنه عاش فترة لا تتعدى عشرات السنين فقط تتخلها حالات بيات شتوي، بجانب برامج جعفر ميرغني الإذاعية عن الحضارة السودانية وتأصيل وإختزال الحضارة السودانية في “الثقافة العربية” وأيضا كتاب قبائل السودان الذي يتم فيه ربط جميع الأعراق السودانية بالجزيرة العربية حتى التي لم يكن في لغاتها الأم بعض أصوات اللغة العربية.
حالة الإنفصام وعقدة الإنتماء للإنسان السوداني التي تسببت في نشرها الحركات الإسلامية والتي تشكلت منها لاحقاء بنية الوعي السودانية هي المسئول الأول في بلورة مواقف وسياسات رسمية تسعى بكل ما تملك من طاقات لبناء دولة عربية إسلامية – لا ترى في إفريقيا إلا العار والذل والمهانة كما كان يرى في بلال الحبشي لسواد بشرته – على حساب جميع المكون السوداني والدولة السودانية حتى لو أدى ذلك إلى تفتيت السودان لعدد غير نهائي من الدول بدءا من فصل جنوب السودان.