المهندس
ابوبكر حامد نور القيادى بحركة العدل والمساواة يكشف اسرار وضع الكتاب الاسود
المنسق العام
الميداني لحركة العدل والمساواة للصحافة
:
رؤية الحكومة
لمعالجة الفقر تسودها الضبابية وتعتريها المفارقات
خرجت من سجن كوبر
وتوجهت مباشرة للميدان
*
الباشمهندس أبوبكر حامد
نور عبد الرحمن، هو المنسق العام الميداني لحركة
العدل والمساواة، ويعد من أبرز قيادات الحركة، حدثني عن انه ظل
بالحركة
الاسلامية منذ ان
كان بالمدرسة الوسطى بالفاشر ولمدى «35» عاماً، وعمل بعد
اندلاع ثورة الانقاذ
منسقاً للتكامل بين ولايات دارفور قبل وبعد تقسيمها،
وبين بلدية خليج سرت الليبية، ثم في مشروع مكافحة الفقر في
السودان، ثم
كان من المؤسسين
بحركة العدل والمساواة وواضعي الكتاب الاسود. جلست إليه
بغرفته في فندق المريديان
وسط العاصمة ابوجا اثناء المفاوضات بين الحكومة
وحركتي تحرير السودان والعدل والمساواة بناءً على وعد مسبق
لإدارة هذا
الحوار الذي حوى
الكثير من المعلومات الجديدة التي تنشر لاول مرة.
*
باشمهندس أبوبكر وأنت
المنسق الميداني لحركة العدل والمساواة، وقد كنت أحد
أركان الحكومة إلى
وقت قريب.. لماذا الإحتراب والإصرار على أخذ الحقوق
بقوة السلاح وليس منطق الحوار؟
-
في البدء، وبالتأكيد كلنا
نتفق على أن
الحرب صعبة، ولكن
اذا كان لاىَّ شخص قضية وانتهج لها نهجاً سلمياً في سبيل
ايصال رسالته للجهات
المعنية وهذه الجهات تجاهلت الأمر فإنه سيلجأ للبحث
عن حلول اخرى. نحن عانينا كثيراً من التهميش في السودان، وقد
طرحنا هذه
القضية في الاساس
منذ بداية التسعينات وقلنا إن في السودان اشكالية وعندما
جاءت ثورة الانقاذ كنا
نعتقد بأنها ستحقق الكثير من طموحاتنا وأمانينا.
*
من انتم؟
-
نحن أبناء مناطق في
السودان تعاني من عدم القسمة العادلة للسلطة والثروة
ونقص الحاجيات اليومية من تعليم وصحة والمياه والاكل
والمواصلات... ألخ،
قضايانا كثيرة،
لذلك كانت اشواقنا أن تكون الانقاذ واحدة من الحكومات التي
يمكن أن تضع حداً لهذه
المأساة، ولكن الذي توصلنا اليه وبقناعة تامة
ورأيناه عن قرب أن
الانقاذ لم تنجح في ذلك.
* «مقاطعاً»
الكثيرون يتفقون على أن الحكومات السابقة كافة لم تنجح في تحقيق العدالة المطلوبة؟
-
ربما نستطيع القول إن
الحكومات التي سبقت منذ الاستقلال كانت حكومات فيها
ظلم، لكنه كان ظلماً عشوائياً، وظلماً آخر حدث بحكم الإرث
التاريخي، لكنه
لم يكن مؤسسياً.
اضافة الى انها بدأت تدخل عوامل اخرى في هذا الامر.
*
عوامل.. مثل ماذا؟
-
العوامل الجهوية والقبلية
والعنصرية، ويغذون هذه العوامل وعندما تنبههم ينعتونك انت بذلك.
*
كيف؟
-
لأن مفاصل الدولة أصبحت
محددة وعند جهات معينة هى التي تديرها.
*
نريد توضيحاً أكثر لما
تقصده بالمفاصل؟
-
اقصد ان المال في السودان
لا يمكن ان تقربه وانت من المناطق المهمشة،
والسلطة ومركز صنع القرار لا يمكن ان تقربهما اصلاً، كذلك
العلاقات
الخارجية والمواقع
المهمة... ألخ.
* «مقاطعاً»
ولكن هناك من يعملون؟
- «يقاطع»
نعم، يمكن أن يشغلوا الواحد في إطار المعلومات، لكن مركز صنع
القرار هذا من المستحيلات بجانب المؤسسات الإعلامية، لذلك
وصلنا الى قناعة
تامة بأن مايجري
في السودان هو امر موضوع، يصعب تغييره، إلا من خلال تغيير
جذري في التركيبة وفي
البنية والرؤية وتغيير الفكر والفهم الموجود في حكم
السودان. ولذلك عندما فشلنا نحن في هذا الاطار اتجهنا الى هذه
الحركات
والى حمل السلاح.
*
ولكن السؤال.. ماذا فعلتم
أنتم لأجل هذا التغيير الذي ذكرته قبل حملكم السلاح؟
-
نحن تكلمنا في ندوات
سياسية مفتوحة وفي المنتديات وحاولنا ان نكتب لكن لم
نجد طريقة، وقد فشلنا كما ذكرت لك لأن مركز صنع القرار في
السودان لابد ان
يمشي بالطريقة
التي يريدونها.
*
كيف وصلت الى قناعة بأن ما
يجري لا يمكن تغييره وانت كنت احد العاملين في الحكومة؟
-
كنت قد عملت في المشروع
التعبوي لمحاربة الفقر بعد عملي كمنسق للتكامل بين
ولايات دارفور الكبرى قبل وبعد التقسيم وبلدية خليج سرت
بليبيا، وعملي في
هذا المشروع
اوصلني لقناعة بأن ما يجري في السودان لا يمكن تغييره بمسألة «اخوي
واخوك» او ببساطة.
* «عفواً»
أريد تفصيلاً اكثر.. علاقة هذا المشروع بقناعتكم بعدم او استحالة التغيير الذي
تنشدون؟
-
كنا نعمل في هذا المشروع
شخصي ودكتور خليل ابراهيم وآخرون بينهم عدد كبير
من الشباب الموجودين معنا هنا في «ابوجا»، وحقيقة ان المعلومات
التي
اكتشفناها كانت
معلومات خطيرة.
* «مقاطعاً»
ماهى طبيعة هذه المعلومات؟
-
مثلاً، انا زرت 18 الى 19
ولاية من جملة 26 ولاية بالسودان، ووقفت على
كثير من الأمر.
فنسبة الفقر نسبة عالية، ورؤية الذين يصنعون القرار لحل
قضايا الاقاليم في
السودان تسودها الضبابية وتعتريها المفارقات، لذلك نحن
حاولنا أن ننبههم وحاولنا أن ننقل الكثير مما رأيناه لكننا لم
نجد أذناً
صاغية، فكلما
تحدثنا إليهم يقولون: يجب عليك ألا تكون جهوياً أو عنصرياً
أو قبلياً. فهزمونا
وتركناهم، وفي نهاية الأمر عندما حاولنا التحدث ذهبوا
بنا الى السجون.
*
ثم ماذا؟
-
في نهاية الامر « الله
غالب» ماذا كنا سنفعل، لجأنا الى حمل السلاح.
*
متى حملت أنت السلاح
تحديداً؟
-
انا خرجت من سجن كوبر بعد
اطلاق سراحي في يوم 11/10/2003، وتوجهت مباشرة للميدان وكان انضمامي لحركة العدل
والمساواة.
*
كم قضيت في كوبر؟
-
قضيت ثمانية أشهر.
*
حركة العدل والمساواة التي
انضممت اليها متى نشأت تحديداً؟
-
حركة العدل والمساواة
بدأت كفكرة في اطار مطلب التقسيم العادل للسلطة والثروة وقد بدأت في منتصف
التسعينات، في العام 1994.
*
في 1994 كانت الفكرة أم
نشوء الحركة؟
-
في هذا العام بدأنا نشعر
انه منذ مجئ الانقاذ وقد مرت عليها اكثر من اربع
سنوات ومناطقنا في الكثير من الاقاليم لم تشهد اي تغيير، صحيح
ان الخطاب
كان واسعاً على
مستوى السودان وعلى مستوى العالم، لكننا كنا نعيش في
انفصام.
*
بمعنى..؟
- «يقاطعني»
بمعنى ان الخطاب السياسي المطروح
وما نسمعه من
القيادات لا وجود له في الواقع، في مناطقنا وقرانا، هذه
ناحية، الناحية الاخرى،
هذا الشعور لم يكن لدينا وحدنا، حيث بدأنا نشعر ان
مجموعات من الشباب من انتماءات سياسية مختلفة ينتابهم ذات
الشعور سواء
كانوا في المؤتمر
الوطني او حزب الامة أو حتى عند اولئك غير المنتمين الى
أحزاب سياسية.
*
ولكن كيف تلاقت هذه
الاحاسيس والمشاعر المتباينة وتبلورت؟
-
نحن في مجتمع، تجمعنا
الاسرة والقبيلة أو المنطقة، عندما نجلس سوياً نجد
هذا الشعور عند الجميع، فمثلاً انعدام الماء يحسه ويلمسه
الجميع، متضررون
منه جميعاً.
*
لكن؟
- «يقاطعني
ويتحدث في حدة» بالنسبة لي أنا حتى
اليوم، اسرتي في
الفاشر، في خور سيال، عندنا يوم واحد للمياه في الاسبوع،
هو يوم الاثنين، «نحن
نحفظه حتى الآن» في هذا اليوم تظل كل الاسرة مستيقظة
لأجل الماء، هذه المعاناة يشعر بها ويعيشها جاري من حزب الامة
أو المستقل
او غيره. كذلك
الكهرباء والطرق، خاصة طريق الانقاذ الغربي، الذي أيدنا ان
يؤخذ سكر التموين من
الناس مقابل انفاذ الطريق، وكذلك طريق الوحدة الشمالي
الذي وافق الليبيون على تشييده لربط الكفرة ـ مليط ـ الفاشر ـ
نيالا ليربط
بالسكة الحديد،
ولكن تم تحويله ليكون طريق الكفرة ـ دنقلا.
*
هل يعني هذا ان مطالبكم في
الحركات المسلحة كانت تنموية؟
-
انا لا اتحدث كثيراً عن
حركة تحرير السودان ولكنني اتحدث عن حركة العدل
والمساواة التي انا واحد من منسوبيها منذ تأسيسها وحتى حملها
السلاح..
بالنسبة لحركة التحرير،
بدأت اصلاً كحركة عدل ومساواة ولكن اعتقال
القيادات السياسية للحركة وقتها احدث فراغاً، ثم وللخلافات
الميدانية
البسيطة انقسمت
الى حركتين، لكن الفكرة قامت نتيجة للمظالم التنموية
الموجودة وهذه المطالب وصلنا لقناعة بانه لا يمكن معالجتها إلا
في إطار
رؤية سياسية لذلك
نحن في العام 1994م بدأنا وفي 1996م بدأت الرؤية تتضح
وبدأ الذين يصنعون القرار
بإدخال عوامل أخرى عنصرية وجهوية وأخذت المسألة
بعداً سياسياً أوسع.
*
ثم بدأ العمل السياسي؟
-
نحن بدأنا العمل السياسي
بنهج علمي لمجابهة سياسات الحكومة العلمية.
*
ما المقصود بهذه السياسات؟
-
المقصود بها مثلاً ان
المصارف في الولايات الغربية، لا تعطي سقفاً مالياً
يمكنها من تمويل المزارعين او الرعاة او غيرهم. ثانياً ليس
هناك اي مشروع
يمكنه استيعاب
كوادر في العمل، جملة هذه السياسات تؤدي الى وجود فاقد
تربوي، وهناك العديد من
المشاكل افرزتها هذه السياسات وأوصلتنا الى قناعة
بأن منهج الاقناع والاقتناع ومنهج عرض القضية لابد ان يكون
علمياً، لذلك
اتجهنا الى اصدار
الكتاب الاسود الذي حوى معلومات مهمة.
*
ماذا كان اسلوبكم في إصدار
الكتاب الاسود؟
-
نحن في الكتاب الاسود لم
نأت بشئ من عندنا، كل ما عملناه هو ان جمعنا
المعلومات من
ديوان الحكم الاتحادي، والصحف، ومن القرارات التي يتم
اتخاذها وتصريحات الوزراء ورئيس الجمهورية.. استخلصنا هذه
المعلومات
وجمعناها في كتاب
من جزئين.
*
ولكن...؟
- «يقاطعني»..
نحن لم نسرد تاريخاً، انما ذكرنا واقعاً موجوداً، وكان هذا نهجنا في عرض القضية.
*
وكيف بدأتم هذا العمل؟
-
بدأنا كلجان تم تشكيلها
من الولايات الست والعشرين وفي النهاية شاركت اكثر
من اربع وعشرين ولاية من السودان في وضع الاسس للكتاب الاسود.
*
كيف تم تشكيل هذه اللجان
وإشراك هذه الولايات؟
-
كنا نجمع كل من له احساس
بالمشكلة سواء من الشمال او الغرب، سواء كان
ينتمي للمؤتمر الوطني أو الحزب الشيوعي أو مستقلاً، أو اتحادي
ديمقراطي.
*
على ماذا بنيتم أسس الكتاب
الأسود؟
-
وضع الاسس كان
في إطار المعلومة واستمر
من 1996م الى 1998م حيث كنا خلال هذه المدة نجمع المعلومات.
*
قلت إن الكتاب الاسود بدأ
1996م لماذا تأخر ظهوره؟
-
واجهتنا مشكلة الامكانات،
وكان يمكن لهذا الكتاب لولا هذه المشكلة ان يصدر
في 1998م أي قبل الخلافات التي ظهرت داخل المؤتمر الوطني.
*
كيف وقفت امامكم الامكانات
وأنتم؟
- «يقاطعني»
معظم الذين وضعوا الكتاب الاسود ما كانوا شغالين.
*
اصابع الاتهام أشارت الى
الدكتور الترابي ومعاونيه في وضع الكتاب الاسود.. ما الحقيقة؟
-
نعم، الدكتور الترابي،
كان في الحكومة، ورئيس المجلس الوطني، لكننا لم ندخل في هذا الموضوع أياً من قيادات
الحركة الاسلامية.
*
لماذا لم تشركوا القيادات
وكنتم تعملون ضمن الحكومة؟
-
بالنسبة لي مثلاً، عندما
آتي الى قريتي في الفاشر، اشتري «خُرج» الموية
بعشرة آلاف جنيه،
وأعاني من عدم وجود الكهرباء وغيره وهي مشاكل انا
اعايشها يومياً، وهي ليست قضية الدكتور الترابي في الخرطوم أو
عمر البشير
أو علي عثمان ولا
نقد أو الصادق المهدي، وهذه المسائل هي ما عجَّل بتفاقم
الاوضاع.
*
إصدار الكتاب الاسود
وتوزيعه بالخرطوم طرح العديد من التساؤلات كيف تم ذلك؟
-
كما ذكرت لك نحن انتهجنا
نهجاً علمياً في وضعه، وحتى الآن نحن في حركة
العدل والمساواة
ليس لدينا كلام انشائي، كل امورنا علمية، الكتاب الاسود
في جزئيه معلومات عبارة
عن ارقام واسماء وقد حاولوا هم اصدار الكتاب
الابيض كردٍّ على
الكتاب الاسود لكنه جاء داعماً للكتاب الاسود حيث ذكر
نفس المعلومات.
*
باشمهندس مازال سؤالي حول
كيفية عملكم بداية ظهور حركة العدل وإصدار الكتاب الأسود قائماً؟
-
نحن عقدنا مؤتمراً سرياً
في الخرطوم للدواعي الامنية، حضره ممثلون من 18 أو 19 ولاية.
*
هل كان حضورهم بدعوات قدمت؟
-
نعم، قدمنا الدعوات الى
الولايات الست والعشرين لكن ما حضر منها 18 الى 19 ولاية.
*
متى انعقد مؤتمركم هذا؟
-
كان في 2001م وكان
المؤتمرون حوالى اكثر من سبعين.
*
بماذا خرج المؤتمر؟
*
قرر خروج الدكتور خليل
ابراهيم الى الخارج وان يكون الناطق الرسمي باسم الحركة.
*
ثم خرج خليل؟
-
نعم خرج خليل، ونحن شكلنا
مكاتب سرية بالداخل.
*
والكتاب الاسود.. فكرته
وكيفية صدوره؟
-
المجموعة التي بدأت عمل الكتاب الاسود كانت تضم كل ابناء
السودان من
المناطق المهمشة
من الشمال والغرب والشرق والجنوب، وفيهم من كل الاحزاب
بالسودان، وآخرون
مستقلون. وذات مرة اجتمعنا نحو ثمانية عشر عضواً من اكثر
من ثمانية احزاب مختلفة لبحث الامر ومناقشته، اضافة الى إننا
التقينا
مجموعة من الكوادر
من الاحزاب المختلفة وجلسنا الى قيادات من الاحزاب
بصورة مباشرة او غير
مباشرة، من احزاب الامة، والاتحادي، والمؤتمر الوطني،
والشيوعي، ومؤتمر البجا، والاسود الحرة، والنيل الازرق، والحزب
القومي
والاحزاب كافة حيث
استمعنا الى رؤيتهم حول العديد من القضايا.
*
الى ماذا أفضت هذه
الاتصالات؟
-
أكدنا على وحدة السودان
أرضاً وشعباً وهي واحدة من اهدافنا السياسية،
نتراضى على
المواطنة، ونبذ الجهويات، والحرية السياسية والعقدية وهي من
ديننا، والشعب السوداني
له الخيار والديمقراطية والشورى، اضافة الى
التقسيم الحقيقي للسلطة والثروة.
----- الباشمهندس أبوبكر حامد نور عبد الرحمن، هو المنسق العام الميداني لحركة ----