ان اى اختلال فى العقد الاجتماعى الذى يربط المجتمع بروابط تحفظ له وحدة كيانه وتماسكه ، لابد أن يترك آثارا على كافة محاوره ، مع تفاوتها فى العمق والحدة . الا ان ابلغها تاثيرا هى تلك التى تطال النسيج الاجتماعى للمجتمع . ويمكن رصد هذه الآثار الاجتماعية السالبة من رحم اختلال ميزان العدالة فى السلطة والثروة ، وهذا الآثار هى :
١/ النزوح : وهو ترك الانسان للارض التى نشأ فيها ، وعليها تربى ، ومن وحى عيشه فيها صاغ عاداته وتقاليده ، ورسم وربط الخطوط المستقبلية المتعلقة بحاضره الموصولة بماضيه . وهذا الانقلاع لا يكون الا فى ظل اسباب قاهرة غالبة بعضها طبيعى وأخرى من صنع الانسان نفسه ، وبحكم الانفتاح الثقافى الاقاليم ، على انسان حصد منها كميات هائلة من عناصر المقارنة بين واقعه المحلى الذى يعيش فيه وبين واقع آخر على مقربة منه وعلى مرمى حجر . فهنا الحرمان المدقع ، وهنالك الوفرة المتخمة . وهنا الجهل الاصم وهنالك العلم الانور ، فعند اول مقارنة بين الواقعين . مقرؤة بواقع الحكم ، وموقع هذا المواطن من دائرة اهتمامه ، وامكانية التأمل على ضوء ذلك فى المستقبل ، لايجد الشباب من تلك الاقاليم حينها من مخرج من هذه المناهة سوى النزوح والهجرة الى بؤر الخدمات ومطالع أنوار العلم ، ومبلغ الحقوق ومرحى الواجبات . وبعدما تتمدد مساحة القطاطى والمنازل الفارغة فى كل قرية كما تتمدد الرمال الزاحفة نحو ابتلاع الآبار المهجورة ، والقرى والمراعى المقفرة ، فبالتالى تتمدد مساحات أخرى من السكن العشوائى واحزمة الفقر ، ودوائر الحرمان حول المدن ، والتى يؤسها اولئك الفارين من فقر الى فقر ومن بؤس الى بؤس ومن شقاء الى شقاء ، الا ان الوضع الاخير فيه بريق امل ، وبصيص اضواء فى دواخل هؤلاء معلقة بالانوار البهارج التى ترقبهم ساخرة ساهرة من المدينة التى يحيطونها.
وكان نتاج هذا النزوح أن ترك أثرا على البنية الاخلاقية القوية فى مجتمعات القرى ، فتهددت بالاهتراء والتمزق . فالقادم من أبناء القرية بناتها المدينة ، يجد نفسه عرضة لكم هائل من المشاكل التى لا عهد له بها ، ولم تطرق سمعه من قبل ، وليس له سلاح للمقاومة سوى الجهل والحرمان والتطلع نحو الأحسن وهذه كلها محزومة بعفوية القرية وطبيعتها . وبالمقابل يترك فى زوجة ووالد ووالدة واخوان وبنات وقد تعلقت اسباب ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم بهذا الذى ارتحل بحثا عن شئ لهم ، ولم يترك لهم شيئا ، هذا اذا جنبهم اعباء ديون عليه يجب عليهم القيام بسدادها . فى هذا الاتون الحارق من الحاجات والرغائب الملحة والآجلة ، كلها تقود الى مصير واحد لا يسلم منه الا من رحم ربى .
تركزت الخدمات التعليمية فى الخرطوم ، والشمال واجراء من الوسط ، وصارت تكاليف التعليم فوق طاقة المواطن ، ولا يتحملها الامن علقت اسبابه باسباب السلطة والثروة . ومع ذلك اصرت الدولة على تحميل المحليات امر التعليم ، ولما ادركت أن المحليات تحركت بايجابية نحو ذلك من خلال فرض رسوم على السكر قامت الحكومة بتحرير سعر السكر ، فاسقط فى يد المواطن الذى بذا اولى عتبات تنميته من خلال هذا القدر الضئيل من المتاح . فانهار كل شئ فى لحظة ، وحتى اليوم لم يفكر احد فى دراسة هذا الوضع لانه يخدم اغراض جهات معينة ، فكان الصمت الشامل عن هذا الخطوة ونسمع عن الزامية التعليم وقبلها مجانيته ، كما سمعنا عن الدواء المجانى ، وعليه فان هوة الجهل تتسع ، بهذا التجهيل المتعمد الذى يمارسه ابناء الاقليم الشمالى على باقى الاقاليم . فيحظلهم تفوقهم النوعى ، ويبعد عنهم غلواء النافسة فتكون البلاد خالصة لهم ، وهذه لعمرى أمكر من كيد يهود ، ولاندرى من اين تلقفوه وهم يشهدون بالوحدانية .
أن دائرة مركزها كسلا ودائرة أخرى القضارف تقومان بتقديم الخدمات الصحية لمجموعات من المرضى تفوق طاقاتها بأربعة أضعاف ، إضافة لللاجئين والنازحين ، وتعتمد كلية على الإمكانات الذاتية من الخيرين لمقابلة تحديات الكلزار والدرن الرئوى والحميات ، مع انحدار خدمات الوقائية الى اقل ما يمكن ، والوقاية التى صارت دورية هى مكافحة العنتد والمسكيت ، وقد حفظت البلاد بطولها وعرضها هذا الشريط التلفزيونى المتكرر كل عام عن جهد وزارة الزراعة . وليتنا رأينا شيئا عن جهد وزارة الصحة الوقائى . رفعت الدولة يدها عن الصحة وجاءت بالتامين الصحى وبالمقابل انتشرت الفنادق الصحية على طول البلاد وعرضها ، وهى من ذوات الخمس نجوم فما فوق . فما أن تدخل مستوصفا ومن الاستقبال تبدأ فى عد النجوم حتى تخرج ان لم تترك عفش البيت أمنية.
ولاية غرب دارفور بأجمعها وتعداد سكانها ١٦٥٠٠٠٠ نسمة بها اختصاصى أمراض نساء وتوليد واحد بالجنينة وآخر بزالنجى ، مع أطباء يؤدون الخدمة الوطنية يتجددون مع مرور كل شهر ، وتنتهى مدة الواحد منهم وتجدد لآخر .
دخلت أول ماكينة أشعة الى الجنينة عام ١۹٧٨م ومنذ أواسط الثمانينات وصورة الأشعة تستدعى السفر لنيالا أو الخرطوم ، وكثيرا ما يعجز القادمون عن الربوع فياداون مسيرة البحث عن عمل يقتاتون منه ويكملون به العلاج . فينتهى بهم المقام الى قرى فى مناطق الإنتاج بالجزيرة أو القضارف الأحزمة حول الخرطوم ، فيلحق أهله به . فشظف هنا وقحط هناك ، لكن هنا العيش مع الأمل ولو الى حين . قربا من الطب ، وبعدا من هم السفر إليه.
أن الغبن الذى تولد ، ويتسارع اعتماله فى الصدور نتيجة للظلم الذى يراه الجميع ، والمتمثل فى انعدام ابسط مقومات العدل فى توزيع الثروة ، مع غياب الرعاية والتكافل ، واستهداف مجموعات من المواطنين لمجموعات أخرى طردا من الخدمة وتضييقا فى فرص كسب العيش ، رغم الكفاءة والقدرة أن هذا الغبن يهدد المجتمع السودانى ونسيجه ، ويضرب بشعور المواطن بالانتماء لهذا الوطن فى الصميم ، وآثار هذا التهديد وبدأت فى الظهور من قبل ، إلا أنه أظهر ما يكون فى هذه الحقبة .
أن مسلسل توالد الأحداث والمواقف ، كأحفاد للظلم وأبناء لاختلال التوازن التنموى – " وفرة فى مكان وانعدام فى أمكنة أخرى "- فرخ هذا المسلسل ، كيانات إقليمية مطلبية ، انتظمت كل الأقاليم مطالبة بالعدالة فى تقسيم السلطة والثروة ، فان كان جلها ينتمى الى الجنوب والغرب إلا أن منها من تولد عن معاناة أهل الشرق ، ومرارات الوسط ، وحتى الآن فاللغة الغالبة هى الحسنى ، ما بقى هناك أمل فى المراجعة والاستعداد من الطرف الثانى لرد الحقوق . فرابطة أبناء البجة وتجمع قوى الريف وكيان الغرب ومنبر الجنوب بالمؤتمر الوطنى وبعضا من الحزاب التى توالت ( من إلغاء قانون التوالى ) كلها ذات نهج سلمى تصالحى بعيدا عن التخاشن ) .
كل الحركات المسلحة التى قامت مثل أنانيا (١) وأنانيا (٢) وجيش تحرير السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان ، وتجمع ابناء الأنقسنا وحركات تحرير جبال النوبة كلها رفعت شعارات مقاومة الظلم الاجتماعى والتنموى ، وهى نتاج ردود أفعال لتعمق الإحساس بالاغتصاب المعتمد للحقوق ، والذى استمر منذ الحقبة الاستعمارية الى اليوم وكأنها قد استبدلت فى واقع الأمر مستعمرًا بمستعمر .
ان أخطر الآثار قاطبة ، ومن جملة آثار انعدام العدل فى ميزان تقسيم السلطة والثروة ، هو سقوط مصداقية الحكام فى نظر مواطنى باقى الأقاليم . أن الحكومات منذ الوطنية الأولى الى حكومة الصادق المهدى الأخيرة ( وهى الوحيدة التى ابدت وأظهرت شيئا من توخى العدالة فى توزيع السلطة ) انتهجت نهجا واحدا هو تمكين السلطة والثروة فى الشمال وجزء من الوسط . إلا أن حكومة الإنقاذ جاءت لتمكن الشمال جهويا وقبليا وتضيفالى ذلك قطع المدد عن الأقاليم ، وتضيف مجموعات قبلية بانها معادية لها ولتتعامل معها على هذا الأساس ، وتقديم قدرات وإمكانات البلاد لقمة سائغة لفئة ، وترك باقى الوطن فريسة للقهر والغبن والظلم . أن الحكومات السابقة نأت بنفسها عن رفع شعارات الأسلمة والإسلام ، وكانت حكومات سياسية فقط أهدافا وممارسة ، إلا ان حكومة الإنقاذ جاءت رافعة شعارات الأخلاق والتدين متوسلة بالسياسة ، فانقلبت الأحوال الآن وصارت تلك الشعارات هى وسيلتها التى دخلت بها الى عالم السياسة فتمكنت بها ، ثم بدأت فى ضربها وهدمها من الداخل لأنها تضئ فتظهر سوء آت داخلها . وابشع ما فى داخلها الآن هى العنصرية والجهوية التى صيرت منها الإنقاذ قانونا ولوائح باسم ( الموازنات) .
وحتى لا نظلم احدا ، او نوصم بالتجنى ، فهذه خمس معايير لبناء دولة العلم والايمان الدولة النموذجية التى تتبنى المشروع الاسلامى برنامجا للحكم المحلى لقيم الدين ، المحقق للعدالة المثبت للمساواة . حتى نرى موفعنا منه ، وموقفنا بواقعنا الحالى :-
أن الغاية من وجود الانسان فى هذا الكون هو خلافة الله على الارض وذلك باعمارها . مستغلا للموارد التى خرها الله لة . والدولة هى الجهاز الاشرافى المنظم لعملية الاعمار هذه .تقوم بوضع تفاصيل السياسات المنظمة للحياة الاجتماعية والاقتصادية والتى جاءت اسسها وحيا من عند الله تعالى على رسله وانبيائه ، الى خاتم المسلمين من المرسلين ، وهو الذى ختم رسالته بقوله : ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا ) صدق الله العظيم ، فترك لنا عاصما من التفرق ، ومانعا للزيع ، وحارسا من الخطل ، شريعة تقوم على استبعاد الظلم ، ومكافحة الغصب ومقاومة كافة مهدرات الكرامة فى طلب الحقوق . قاطعا الطريق على مفاسد الحكم ، من المحاباة والمحسوبية ، واثراء البعض على افقار الاخرين . فيكون الاعمار الحق ، وتنكبه هو التدمير الكامل وان تسربل برداء الدين او رفع رايات تمكينه.
قال الله تبارك وتعالى ( لا اكراه فى الدين ، قد تبين الرشد من الغى ) البقرة الاية (٥٦) تاركا امر الاختيار للبشر فى اخطر ما يمس حياتهم الدنيا الفانية ، ويحدد مصيرهم فى الباقية الدائمة ، لعلمه بان البشرعلى فطرتهم يملكون من وسائل القياس ما يوصلهم الى الحكم فى الاساسيات . وبالتالى ارسى دعائم الحرية فى اختيار مادون المعتقد . فبالحرية تتحقق قوة الراى وصدق العزيمة ، تقابلها رحابة الصدر ونفاذ البصيرة . فتجتمع لتحقق شخصية المسلم القوى الذى تقوم على اكتافه عمارة الارض وخلافة الله . وبحيث يسير فيهما وبهما وفق نة الله الكونية . فالحاكم ينزل عن رايه لراى الاغلبية حتى من مقام النبوة البشرية ، لامن النبوة الموحى اليه بها ز فينزل من ذلك المقام اعمالا لمفرزات حرية الراى التى غرسها فى اصحابه ، فكان جناه هذه الاراء المخالفة لرايه ، والتى نزل عند رغبتها حتى تكون سنة ماضية ، حتى ياتى سيدنا ابوبكر الصديق رضى الله عنه ليقول ( ان احسنت فاعينونى وان اخطات فقومونى ). وياتى سيدنا عمر ليقول رايا نقطعه أمراة بمعارضه قوية مسنودة بالقران فى شان المهورفيقول رضى الله عنه ( اخطأ عمر واصابت امرأة ، كل الناس افقه منك يا عمر ). فامتلات النفوس عزا للحق ، واعتزازا بما يحملونه فى الصدور . لذا وصلوا الى ما وصلوا اليه من الفتوح لانهم اطمأنوا الى نهج الحكم وعدالة الحاكم ، فامتلات الجوانح بالحرية التى بشروا بها فى كافة الاصقاع .
ان الحاكم الذى يضيق بالراى الاخر ، والمسئول الملهم المفكر الاوحد ماهما الا وسائل لتكريس القهر السلطانى وممارسة شهوة السلطة القابضة التى فى نهايتها ( لا اريكم الا ما ارى ) فيعلوا هو وشيعته ويبغون فى الارض ، محصنين بالقوانين التى استنوها . فاينما تتوجه تجد حصانه ، منصوصة وغير منصوصة ، والاخيرة هى الاخطر . لانها تحصن المحاسيب ، فيعيثوا فسادا ، باسم ولى الامر وهو غاض الطرف عنهم ، ويعتلى المنابر مذكرا وذاكرا كل شئ الا حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم ( والله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) وان تذكر يوما فمخرجه فى ( التسويات ) باق. فالحرية تقاوم مثل هذه الجراثيم ، وتقوم ما يشوب الحكم من عوج . وبالحرية تتحقق الشفافية ويكتمل نقاء المثال وطهارة والقدوة ، فالحرية هى التى ترفع ميزان الجرح والتعديل ، هذا الميزان المعصوم بالدين البعيد عن رغائب الذات ومطامح الانا واسار ال ( نحن ) . وانعم بالحرية من معيار .
العدل هو اساس الملك ، وبه ينتصر السلطان الكافر ، وبانعدامه ينهزم السلطان المسلم وهو اسم من أسماء الله الحسنى ، وهو يدخل قرين الثروة فتتبارك وتنمو .
فالعدل الذى نرجوه فى سوداننا هذا ان يشمل الثروة فتوزع بالعدل وبما يتناسب مع حقوق المواطنة . حى تنزل التنمية على البلاد وفق ما يتفق عليه من اولويات ، مبنية على معلومات محايدة ومتاحة للجميع ، حتى يكون توزيع التنمية مقنعا للجميع فتتبارك بالرضى وتنمو بالسماحة . على مستوى الافراد والجماعات . فالتعامل فى مال السودان يجب ان يكون متاحا لجميع المؤهلين من ابناء السودان ، لا ان يكون حكرا للبعض دون الاخرين ، فالموارد والمنصرف لهذه الدولة بمؤسساتها المالية والاقتصادية اجتمعت حقيقته لدى فئه قليلة احتمت ببعضها على البعض ، ورغم الفساد الكبير الذى يدور الحديث عنه ، فستار السلطة مسيوغ على المتعاملن فى هذه المؤسسات . والغريب ان معظم البنوك المتهمة ، والتى تحركت الاجراءات القانونية ضدها او ضد بعض اعمالها نجد ان الغلبة للشركاء فيها ومؤسسيها لغير ابناء الاقليم الشمالى ( بنك نيما – بنك صفا – بنك الغرب ) .
والعدالة هذه يجب ان تطال السلطة بحيث تكون رئاسة الدولة تداولية وفق اقاليم البلاد ، كما هو الحال فى نجيريا لا ان تكون الرئاسة حكرا على الاقليم الشمالى .
وان تمتد يد العدالة لتشمل الجهاز القضائى فلا تكون رئاسته فى المركز والولايات عرضة لهزات القبلية والجهوية . والجهاز القضائى هو الجهاز الوحيد الذى بقى للضعفاء وطالبى الحقوق فى بلادنا ، رغم بقاء قيادته السياسية فى ايد معينة ، ولا عتب هنا لان القرار بيد اناس نعلمهم .
وهى وسيلة المسلمين لاتخاذ القرار مهما صغر او كبر . فلذا يجب ان تكون مشاعة بين الناس ، وتكون القرارات والنتاج الصادرة عنها ملزمة للمسؤل مهما كان موقعه فى درجات الولاية العامة ، ولا سيما راس الدولة . فالشورى دوما هى ملزمة وليست معلمة ، وان من حق الجماعة محاسبة الحاكم بل واقالته ، وباستقراء النصوص والوقائع نصل الى الاتى :-
أ- لابد للحاكم من ممارسة الشورى قبل اصدار القرار . الشورى هى تكشف الابعاد التى لا يلم بها الراى الواحد ، وهى التى تسمح بالمعالجة المتأنية البعيدة عن المؤثرات العاطفية والشخصية ، وهى التى تبرز محاسن ومساوى اى قرار ما .
ان غياب الجسم الشورى الذى يشرع ويراقب تنفيذ القرارات ينتج عنه استقطاب للسلطات وتكريس للاستبداد . فمشروعات القرارات العامة والقوانين يجب الا ينفرد بها الحاكم وتقتضى الشورى . الا بتقاعس شخص عن الادلاء بدلوه . والا يصمت عن قول الحق (( فافضل الجهاد كلمة حق فى وجه سلطان جائر )) فالمنظمات والافراد والجماعات ووسائل الاتصال والاعلام الجماهيرى الشعبى والاعلام الرسمى بكافة الياته ، كلهم مطالبون بالمساهمة فى العملية الشورية ، فكلما اتسعت الشورى كانت اصوب واشمل واكمل والعكس صحيح اذا ضاقت دائرتها .
بمعنى ان يكون كل شئى فيه لله ، اى ان يكون وسيلة للتعبد والقربى لله تعالى ، ويتوخى الجميع فيه لانفسهم مقام القدوة الحسنة . وان يمارس الحكم تعبدا يرتفع به الى مقام الاحسان . بعيدا عن الاستبداد والبطش والطغيان ، فيكون الحكم وسيلة لبسط شرعة الله وهيمنة حكمه ، وباساليب ووسائل تتفق مع ما تسعى لتحقيقه من مثل وليس فى رسالية الحكم ( الغاية يبرر الوسيلة ) .
فالاسلام اعطى الحاكم حقوق ولكن واجبات الحكم اعسر . فخط نهجا ورسم مسلكا واحدا يعتمد على محاسبة النفس . كما قال عمر ( ليت ام عمر لم تلد عمر ) وحديث ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) هذا الحديث وحده ليمفى لتأريق مضاجع اى امام يخشى الله ، وكل رئيس مدرك ان هناك حسابا فى يوم هو للحساب فقط بلا اى مجال لعمل او لكسب جديد يعدل الميزان .
فسيرة عمر بن عبدالعزيز ، وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من الولاة تعطى العامة والخاصة دروسا فى الحكم الرسالى القائم على العدل الكامل والمساواة ومحاسبة النفس ، ملاحقة لحقوق الناس وردا للمظالم . فالقرابة للحاكم كانت مغرما وليست مغانم كما هى اليوم . فكم عانى عبدالله عمر رضى الله عنه من عدل ابيه الذى يبدا به دوما فى المحاسبة وينتهى عنده تسليم الحقوق .