الفصل الثاني
تعريف الدولة وسلطاتها
اختلف فقهاء القانون الدستوري في تعريف الدولة الا أنهم أجمعوا فقهيا حول عناصرها ومكوناتها. فقد عرف فقيه القانون الدستوري العميد (كلسن) الدولة بأنها ( التشخيص القانوني لأمة ما). وذهب آخرون وفي مقدمتهم الفقيه (ديجي) في تعريفهم للدولة استنادا علي عناصرها ومكوناتها. (الأرض, السكان, السلطة).
ويقول الأستاذ جمال البنا:- هناك خمس معايير لا بد من الالتزام بها ليكون الحكم اسلاميا حقا وهي:-
أ- أن يكون الهدف اعمار الأرض (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) البقرة.
ب- أن يكون المناخ هو الحرية, (لا اكراه في الدين)
ت- أن يكون المحور هو العدل, (ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوي) المائدة. ويقول تعالي في الحديث القدسي (يا عبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته حراما بينكم فلا تظالموا)
ث- أن تكون وسيلة اتخاذ القرار هي الشوري . (وشاورهم في الأمر وإذا عزمت فتوكل علي الله)
ج- أن يكون الحكم رسالة. وأن يكون الحكم بما أنزل الله وأن يكون أداة للتعبد.
والدولة في مفهومها الحديث تتطلب توفر العناصر التالية:-
أ- الأرض:- بمثابة الرقعة الجغرافية وقد أقرتها أطراف العلاقة في القانون الدولي.
ب- السكان:- وهم العنصر البشري الذي يعيش في تلك الرقعة من الأرضز
ت- السلطة الحاكمة:- ويقصد بها السلطة التي تتولي الحكم ويسند اليها ادارة الأرض والسكان طبقا لمؤسساتها وقانونها الوطنية. فتأسيسا علي ذلك فان الرقعة الجغرافية التي يديرها زعيم القبيلة او العشيرة لا تكسب صفة الدولة. وهذا ما يقودنا الي مفهوم السياسة والحكم, وقد ورد في الموسوعة الألمانية حول (السياسة) بأن السياسة هي فن الممكن, والتعامل بالمصالح الكلية للجماعة وصولا الي هدف السلام والرخاء العام, ورعاية حاجات الناس من أجل تحقيق السعادة المرسلة, وهي بذلك أيضا (فن حكم الجماعة)
شروط الإعتراف بالسلطة الحاكمة:-
أولي هذه الشروط وأهمها يكون تجاه الأرض, وذلك بحمايتها من الخطر الخارجي, ودحر العدوان عليها بغرض الإحتلال. وتعامل المواطنين وهم يؤدون واجباتهم بالتساوي في الحقوق, وعلي الدولة أن توفر لهم الأمن والحماية, وتبذل وسعها في توفير حياة كريمة لهم مع اشاعة الحريات وبسط الشوري, وتمكين المواطنين من المشاركة في السلطة وذلك دون تمييز باعتبار الدين أو العرق أو اللون أو الجنس..
والسلطة الحاكمة وهي تقوم بهذا الدور, ولا يتأتي لها ذلك الا من خلال قانون عام ينظم مؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة, ويفصل بين السلطات. هو ما تم التعارف عليه(بمبدأ الفصل بين السلطات).
وهنا نقف قليلا لنلقي الضوء علي سلطات الدولة:
أ- السلطة التنفيذية:-
(أو الجهاز التنفيذي) وهو المنوط به تنفيذ سياسة الدولة, الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية, ورعاية علاقة الدولة بالمجتمع الدولي ويكون خاضعا لرقابة السلطة التشريعية, وملتزمة بتشريعاتها.
ب- السلطة التشريعية:-
ووظيفتها سن القوانين المتعلقة بسياسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وهي تمثل ضمير الأمة الذي ينبض بالقيم والمثل العليا....الخ, وتستوحي عملها من الدين والعرف والقانون الطبيعي وقواعد الدولة. هي ساحة خصبة لممارسة المشاركة الجماهيرية في السلطة, وقراراتها ملزمة لكافة أجهزة الدولة ومؤسساتها. هي نفسها ملزمة باحترام القوانين وقد سنتها ابتداء. وكما عليها مراقبة عمل السلطة التنفيذية ومحاسبتها.
ت- السلطة القضائية:-
وتكمن وظيفتها في تطبيق القوانين, والرقابة علي الدستور, والفصل في القضايا تحقيقا للعدالة ورفع الظلم. بذلك يتوجب عليها التزام جانب الحياد والاستقلال الكامل, وهي مخولة بذلك بالفصل في المنازعات بين كافة الأطراف, شخصية كانت أم اعتبارية حسب تدرج المحاكم لتنتهي بالمحكمة الدستورية كأعلي درجة للتقاضي.
ث- الإعلام:-
هذه السلطة التي برزت حديثا الي السطح, وانتزعت لنفسها وبالدور الذي تلعبه موقعا في أجندة الفقه الدستوري الحديث, فصارت سلطة بتعريفهم إياها. وقد لعب الاعلام جملة أدوار, تشابه ما تقوم به السلطة التشريعية الي حد كبير في مجال الرقابة, وتعين باقي السلطات بتسليط الضوء علي القضايا الملحة, ذات الإهتمام المشترك.
فهي الصوت المعبر والضمير المراقب, والحاجز الذي تقف عنده كل التجاوزات, بتصديها لمواطن الفساد والافساد, وتتحقق سلطتها اذا قامت بدورها المذكور بكامل الشفافية ونكران الذات.